...
قصة قصيرة بعنوان : الأستاذة فضيلة..
بقلم محمـــــــــد فـــــزاري ، المغرب .
كلما دلف لحجرة الدرس شعر برماح العيون الساخرة تنغرز في عموم جسـده النحيف ، تستقبله الأستاذة اللطيفة الوديعة بوجه بشوش ، والمسكين يتعثر في خجله الذي احتواه وضيع عليه كل متعة .
بتؤادة أخذ مكانه في مؤخرة الحجرة وهو يلملم جوانبه غير عابيء بما يــدور حوله من تفاعلات التلاميذ مع أستاذتهم .. كان يحضن ألمه ويسافر عبر حلمـــــــــه الطفولي منفلتا من جبروت ساعات الدرس اللامتناهية ولاينتبه إلا حينما يسمع قهقهة أترابه والكلمات لاتعبر مخارج حنجرته والتي ترتجف أحبالها عندما يعجز عــــــــن الإجابة .
كانت الدهشة كبيرة على محيا مولود عندما وضعت الأستاذة يدها على كتفه وهي تقربه منها بحنو وتقدير . دام لقاؤهما الثنائي ردحا من الزمن خرج على إثرها مولود من المدرسة متوجها الى منزله مورد الخدين مبتسم الثغر ..
قفز على أمه وهي تفتح له الباب ، تفاجأت من سلوكه وردة فعله وهو الطـــفل القليل الحركة الذي يكتفي بقول السلام عليكم ويصمت ثم يمضي لحال سبيله .. فــي غرفته المتواضعة غرق مع نفسه في احتواء الحلم وهو مستلقي على ظهره يرســــو على قارة أستاذته فضيلة ، يبحر عبر تجاعيد الموروثات ويحدد لنفسه موعدا مـــــع التغيير والتحدي عند كل مرفإ .
لم تعد نظرات السخرية تفعل سحرها على مولود ، كان كل يوم يتقدم ويتحسن في أدائه.. كان لايفتيء يدهش زملاءه بل تفوق على أفضلهم ، وفضيلة الأستــــــاذة تنتشي من الداخل فرحا وسرورا .. النتائج كانت في مجملها مبهرة وفي ظرف ستة شهور على أكثر تقدير استطاع مولود الخجول أن ينحت اسمه بالحرف العريض في ذاكرة زملائه ويلقى صدى وترحيبا حتى عند مجلس الأساتذة .. طبعا وهو الـــــــذي أحصى الكلمات ورتبها ترتيبا واختار لها موقعا متقدما في الحوار والسؤال والجواب والقراءة ... كان يمارس نوعا من الطقوس الصوفية ليحل في قاموس اللغة ويتفــــرد ويتميز منتقما للسنوات الماضية التي ألغيت من عمره وكأنه لم يعشها ..
يجلس الآن في مقدمة الصف ، كل بنات الصف يحرصن على ملاطـــــــــــفته والإبتسام له كلما استدارت الأستاذة فضيلة نحو السبورة ...
في غمرة الأحداث أضحى مولود قدوة الأقران ومحط انتباه الجميع حــيــــــث أختيرت أقصوصته الفراشة كأحسن نص ابداعي بالمؤسسة والذي سيقرأه أمام مجلس الأساتذة وجميع تلاميذ المؤسسة بمناسبة اليوم العالمي للأستاذ..
صعد المنصة وخطا بخطوات ثابثة صوب الميكرفون وحيا الجموع ، لـــكنه خص أستاذته فضيلة بكلمة شكر وتقدير رقيقة اقشعرت لها الأبدان ودرفت لــــــــها العيون وهتفت لها الحناجر وصفقت لها الكفوف ..
-- الأنسان لايتعلم إلا استجابة عندما يصغي لما يقوله الإنسان الآخر وينصت إليه -
انــتــهــى..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق