أسبوع حافل:
بدأ دبيب الخبر يصل إلى جسد العائلة كلها..الأقارب و الأباعد منهم...فتحول إلى موضوع على موائدهم حين يحلقون حول صحن كبير واحد...تمتد إليه الأيادي بكل الأحجام و الألوان...تغنم منه ما تشاء...في جو من الألفة و الحميمية...يطبعه المرح و الضحك غالبا...وتسوده نفحات الصمت والوجوم لوقوع حدث جلل يحترم الجميع طقوسه و يمتثلون لها...وقد وجدت لذلك تعاليم صارمة ينفذها واحد فقط ممن في البيت...والكل مرشح أن يكون الأول و أن يكون هذا الواحد المميز...كان لكل واحد مقامه: فالأب أب...والأم أم...والجد جد...والجدة جدة...والجار جار...والصغير صغير...والعيد عيد...و المدرسة مدرسة والإنسان أنا.
لهث الكل إلى مزيد من التفاصيل الدقيقة...حتى علموا دون انتظار طويل تحديد موعد الزفاف...
ككل عرس تقليدي...بدأت الاستعدادات في جو عائلي طبعه التعاون بعرض الخدمات الممكنة و التأكيد على أنه يمكن الاعتماد عليه فهو رهن الإشارة...ماديا و معنويا...
وزعت الأدوار وفتح باب البيت منذ ذلك الوقت على مصراعيه...حتى أنه ثبت بحجرة كبيرة قد توقع بأحد...لكن يجب الحذر و الانتباه...فهي حالة من التجنيد عمت الجميع إلا ما ندر...
مدة العرس رسميا أسبوع...في يومه الأول تزين امرأة وقورة بلباس جديد و أنيق...وتخرج من بيت العريس لتطرق أبوابا تدعو أهلها للمناسبة مع التدقيق معهم على التاريخ و التوقيت....لم يكن أحد يسأل عن العنوان...فالبيت معروف باعتباره مكان عيش الأسرة الداعية...
تحاول أن تكون (العراضة) خفيفة الزيارات...تدخل في الموضوع مباشرة لأن عندها برنامج عليها أن تنهيه في وقته...فكان الكل يحترم قرارها...يودعونها وقد وضعوا في يدها نقودا تقديرا للمهمة التي أعجبوا بأدائها...
سأقفز عن باقي الأيام لأصل بكم إلى اليوم الذي تأتي فيه العروس إلى بيت العريس في موكب مهيب ...كل الأعناق اشرأبت لترى العروس...لقد كانت تكبر العريس بسنوات لا بأس بها..لكنها جميلة وان كانت سمينة و قصيرة...هي بنت الدار الكبيرة...وهي من تليق به وبأسرته ...ستبرز بين جموع الحاضرين المبتهجين بالأجواء...رائحة الطعام شهية و عبق البخور ورائحة الشاي المنعنع والدخول و الخروج من الباب والغناء عبر مكبر الصوت الذي يشهر النبأ بتحديد المناسبة...والرقص الذي كان يشارك فيه الجميع دون عقد نقص...فقد يرقص الأب او الأم أو الأخ أو الأخت...وتلوح العيون لتقابل بعضها مزهوة باللباس و التجميل..وتبدأ الحكايات في نشوب بوادر الإعجاب أو نزوح العلاقة إلى بيداء النسيان...فتكثر الأحاديث الثنائية ترى أطرافها بين مبتسم و متحدث و بين متحدث و ضاحك...ويبدأ البحث عن أفضل مكان لتسلم ورقة أو ارتشاف قبلة أو استهلاك ضمة قوية....
يظهر التواضع والتعالي وكذا الصدق والنفاق والحب والكراهية...فتبدو علامات الحرص على أشياء يبدو أنها مطلوبة في أعمال السحر والشعوذة كما تظهر تجليات الحقد والحسد...تمضي الظهيرة حيث كان المدعوون قد أكلوا وجبة الغذاء تامة...واستحسنوا الحلويات ونوعها وكذلك الفرقة الموسيقية والنكافات والطباخة الله يعطيها الصحة..
بدأ الهمس أن وصل وقت الدخلة...وهي لحظة يساق فيها العروسان إلى غرفة نوم أنيقة...وما تزال موائد العشاء مفتوحة...
وقد هما ليخرجا من الباب الرئيسي للبيت تحت هدير الأهازيج المهيجة لهما لتجاوزها بسلام سقط حجر كبير من احدى زوايا السطح حيث كان يدعم سقفا قصديريا مباشرة على كتف العريس...متجنبا تهشيم رأسه ...
سقط مغشيا عليه والكل يظن أنه مات...
ربما مات من الخوف على حياته ...
لم ينته العرس هنا...فمن رافقه إلى المستشفى العمومي..ومن بقي في انتظار أخباره...لأن اليوم تتمة العرس...بعد اسعافه من كسر في الكتف تم تجبيصه...عاد إلى البيت ..والكل يتحاشى أن يرجع الحادثة إلى نحس العروس.
سميرة شرف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق