مقاربة أدبية ونقدية فنية وعلمية في القصة القصيرة درجة ثالثة المفتتحة بعنوان ( بطاقة خارج الرحم) للاديبة الشاعرة فوزية أحمد الفيلالي. نص الإبداع كالتالي.
فصة قصيرة
درجة ثالثة
بطاقة خارج الرحم.
في زاوية من بيته المهجور، ركن "سيف" يمسح دموعه المنزلقة على خده البائس ووجهه الذي أخفاه بين ركبتيه الملتويتين والتي لم تستطع حمله، خذلته هي الأخرى كما خطأه الزمان وكسرت ظهره المواجع،
إلى أمس قريب كان "سيف" ذلك التلميذ المجد الذكيّ الوفي لكتبه وأقلامه ينسج سجادة أحلام وردية بخيوط صوف منفوش من قش عنكبوت اغرقته الانكسارات العشوائية مع طوفان نوح فلم يسلم في قمة جبل التحدي.
عاد من صلاة الفجر بعدما لبّى طلب فقيه الجامع "سي قاسم" القريب من البيت .حيث وجد فيه بعض من الطمأنينة واسترجاع الأنفاس التي كاد يختنق من شدة قبضتها على رقبته.
كبر "سيف" وكبرت معه أحلامه وبدأ يعي بعض الشيء ما يدور حوله في بيت أمه التي لم تجب يوما عن أسئلته الهاطلة كالرذاذ...
أين أبي يا أمّي؟
وما اسمه ؟ كيف كان لون بشرته؟
هل يشبهني؟
"سيف "شاب جميل أسمر اللون بني العينين واسع الحدقتين شعره يميل الى التجعد ،مهذب لطيف لازال لم يكتمل طوله بعد
في السابعة عشر من عمره.
كان "سيف "كثير الشرود قوي الفراسة. كانت نظراته المتراكمة إلى مرآة غرفته المتشققة بالساعات هو عدم جوابها على كل استفهاماته التي كان تستفز تطفله في مخابئ شعو ره هو لونه المختلف فأمه عالية بيصاء البشرة حد الثلج...صمت مقيت يطوي مسافات ضوئية بينه وبين حقيقة مديوسة وراء جدران بيت بلا عنوان...
تدير الأم "عالية"وجهها في علامات بهلوانية كما نشاهد في افلام الأسود والأبيض ل اسماعيل ياسين...
تدير علكها ا المعتاد بين أضراسها في طقطقة ايروتيكية كلما نظر في عينيها يستعير ضوء ليكسر جهلا أسود يعتم حياته اليومية...
"سيف هل عاد أبوك من الأسر"؟
لم يعر اهتماما لسؤال "حمو" بائع السمك المتجول وهو يلتسم مديرا وجهه لبعض الزبونات المتفحصات لعيون السردين المنبطح على قفاه في صندوق على دراجته القديمة....
أمي أمي...
"عالية" امرأة في الأربعين من عمرها ممشوقة القد سوداء الشعر الذي غيرت لونه بصباغة بلون السمش وقصت حاجبيها فعادت رقيقتين كحد سيف مشحود.
تطلي وجهها بمساحيف ملونة من الماكياج حتى لا تكاد تعرفها تبدو كلوحة لوجوه متداخلة لفنان مخمور ترتعد ريشته بين يديه كما طائر أصابته رصاصة بندقية لقناص أشعت.
تتمايل في مشيتها كراقصة في شارع علي ...
ماما هل عندك ضيوف ؟ لماذاا كل هذه الشياكة .....!!؟
صمت رهيب والجواب أخرس...
دخلت في متاهات فكرية وبدأ عقلي يفك الألغاز بموازة مع عقد الرياضيات وفك فرضية الحرف المجهول( x)
فارق النوم أجفاني كانت غرفتي في السطح
حيث كنت أصبز إلى النوم باكرا لان قانويتي بعيدة شيءا ما عن البيت الذي يحضننا انا وأمي وبعض صديقاتها اللواتي يزرننا باستمرار
الضحكات تتتعالى والكلام غير مفهوم أحيانا أصحو على سعال ذكوري ورائحة دخان سجائر ذات ماركات عالمية..
أسأل...!!؟
لماذا تكثر السؤال...(ادخل سوق راسك)
( هادو غير اصحاباتي كنا طلقين فيديو في التلفون)
أغادر دون اقتناع كمن يسكت هونا من مقصلة
على رقبته.فأنا لا أخالط أحدا وليست لي عائلة
وعندي امتحان اشهادي .
بعد شهر...
على بعد أمتار قليلة من البيت ماجى عليّ الحسين بقال الحيّ ..سيف اسير أولدي للبيت راه راه.
لا حول ولا قوة بالله.
أشكاين أعمي.
وجدت الأمن مطوق البيت،صعدت مسرعا السلاليم حيث أصوات مخنلطة بصوت أمي...
(مظلومة ولدي مظلومة...تهلى فراسك وفقرايتك ).
إنك كبرت.
نزلت عليّ كلماتها كحجارة طير ابابيل كسرت ظهري فلم أعد أصحح النظر فيما حولي.
طرت إلى مخفر الشرطة وأنا ألهث...فلم آعد إنسانا...؟؟
سألت رئيس الدائرة الذي تفاجأ بحضوري وأنا أتلعثم في اخراج حروف دون نقط ولا حركات.
أمي .أمي ....
أمك تشتغل في أقدم مهنة عرفها التاريخ (الدعارة) هي ق.....ة
ذاب كبريائي وداسته آقدام الوحوش التي تصطاد الأبرياء في ماء البحار الحلوة المذاق.
عرفت حينها أن الغراب استغوى رحم أمي ذات يوم شتوي حيث استدفأت بححم عشقه المزعوم و استسلمت لحبه المنبوذ فنفض ريشه على جسدها البري نفث فيه من بقايا مائه وحلق بعيدا تارك عشا مبلولا لأصناف النسور الزاجلة فكانت النقطة بعيدة عن حرف اللام. وكنت بعيدا عن محطة للأداء ببطاقة تعريف .
فوزية احمد الفيلالي
******تقديم لا بد منه*********
لا أستطيع إخفاء إعجابي الشديد بهاته القصة القصيرة. المثيرة للعديد من الأسئلة الفنية والفكرية والنفسية والإجتماعية وغيرها...شدتني، وللقراءة الرابعة على التوالي.. أو أكثر، كدت أنسى معها همومي والتزاماتي، مع وبمن يحيطني ويحفني؟! لست بالاديب ولا بالشاعر ولا بالناقد المتخصص المتمرس المحترف. فقط أنا عاشق مهووس بمطاردة الجمال الأدبي والفني والفكري متى وحيثما كان.!؟ لن ولا أريد ان اكون ثقيلا على أحد. إنها لحظة جميلة ومقلقة . بين يدي وكنف هذا النص القصصي. هذا اللون الأدبي، الذي قيل فيه وعنه الكثير. من طرف النقاد والدارسين من أصحاب الصنعة وأهل التخصص. بايجاز وباقتضاب شديد.فهو نثرفني. وسرد حكائي، يرمي إلى التعبير عن تقديم حدث منفرد أو أحداث متعددة ومختلفة، تؤطره وترسم حدوده مدة زمنية ومكان يخضعان لعلاقة التلازم طولا وقصرا. وكذلك التعبير أيضا عن موقف أو مواقف من الحياة وما اكثر القضايا التي تعج وتضج بها الحياة.؟! في غالب المقاربات الفنية والنقدية العلمية. التي اعددتها للعديد من المبدعين الشباب كنت أحاول دائما، وعن قصد متعمد، تجنب وتفادي المعايير والمصلحات سواء تلك التي ابتكرها النقاد السابقون.العرب او تلك التي ابتدعها النقاد العرب الغربيون على السواء. مع كامل اعترافي بمجهوداتهم التي بذلوها. في إرساء دعائم وبنيان المنهج والمصطلح النقدي..لقد أصبح الادب عربا للمجتمع واصبح النقد عرابا للأدبٍ. وأصبح النقد علماوفنا وفكرا وابداعا بصفة عامة..اقتضته هاته التحولات الراهنة
فنحن الآن في عصر تكنولوجيا المعلومات التواصل الهادف والنفعي السريع الايقاع والدقيق الاهداف..وأسئلة علاقات هاته التولات التقنية والمعفية الكبرى بالادب والنقد الفني و العلمي!؟.
******
من خلال النظرة البانورامية لهذا النص.يبدو، انه نص نثري.ويعلن إنتماءه الصريح شكلا، الى النثر الادبي.كما اعلنت الكاتبة عن هويته الادببية الفنية والفكرية بأنه قصة قصيرة ، درجة ثالثة، في مطلع إبداعها.ومن خلال النظرة البانورامية ايضا تمت ملاحظة مساحات فارغة بين مقاطع النص، نقط ترقيم وضعت بشكل محكم لتنظيم المرور بين معالم النص الابداعي. ومن خلال النظرة البانورامية تتم ملاحظة استفهامات وتعجبات... إختارت القاصة من العناوين، عنوان ( بطاقة خارج الرحم) . إنه عنوان معبر ملهم. فقد قيل بأن مفاتيح النصوص عناوينها. وفي هذا القول أخد ورد.؟! انه عنوان مثير للكثير من التساؤلات. مفتاح قد لا يجعلني أنفلت من قبضته، نظرا لكثرة وغزارة، وثقل وكثافة وثراء حمولات دلالاته اللفظية البنيوية الافقية ودلالاته المعنوية. العمودية الغائرة العميقة ..عنوان يشد المتلقي ويصده عن المرور مر الكرام كما يقال يمنع من التجاوز بكل سلاسة وببساطة الى الآتي من معالم هيكل النص الابداعي. عنوان له قيوده الفكرية والفنية المعرفية..وهي تلهب في فكر ووجدان المتلقي أوار الأسئلة الحارقة المشروعة.. هل هي تلك الهوية المقطوعة المجتثة من الجدور؟! هل هي تلك الهوية المتشكلة خارج وبعيدا عن الفردوس المفقود!؟ وهل هي تلك الهوية التي اختلقها هامش المجتمع وتربت ونشات على هامش التاريخ.؟! هل تلك الهوية الثائرة المتدمرة والمتمردة عن الاخلاق والدين والأعراف والتقاليد!؟ وهل هي تلك الهوية التي ترفض سجلات الحالة المدنية تضمينها بطونها وحواشيها بمدادها الاسود وبخط واضح انيق ومقروء وإعطائها رقما كسائر الارقام،؟! موقعة ومختومة، من طرف ضابط يحضر ويغيب على محض سجيته!.؟ فتودع الرف المغبر!؟ وهل هي تلك الهوية نتاج لقاء ونزوة ولذة عابرة؟! وهل تلك الهوية نتاج القضمة الاولى من التفاحة، أصل الخطيئة وفي حضرة الشيطان اللعين.!؟ جاءت بها الديانات وكتبتها الفلسفة والاسطورة وصدحت وتغنت، بها قرائح الشعراء والكتاب؟! وهل هي تلك الهوية التي أصلها الطين والماء!؟ من معاناة هذا التوليد الأدبي والفني والنقدي العلمي .هو أن ضجيج المدينة لا يدع لك فسحة مشتهاة للتركيز والبوح.؟! لطفك يارحمان.. بعد كل هاته الاسئلة وتلك. التي يطرحها عنوان القصة ( بطاقة خارج الرحم). يأتي شخص سيف. تفننت القاصة بعدستها الدقيقة في نقل ووصف تفاصيل شخصيتة من الداخل ومن الخارج ونقل بدقة حتي من حوله..عالية الأم والأب المأسور وهما خوفا من الفضيحة.أب يتورط المجتمع والثقافة والدين في قضية اسره وخوفا من العار والشعور بالنقص والدنيوية. تلك هي العقدة الفنية والفكرية لهذا الابداع الادبي. لتشويه معالم الحق والحقيقة. في عيون سيف البريئة وتعيشه في الوهم من الطفولة حتى بلوغه سن المراهقة والشباب. وبعده تشكل وعي أخر لذى سيف ..جعلت القاصة منه عقدة لابداعها الأدبي والفني والفكري. ضياع الاصول يعني ضياع الفروع.قد لا يحدث هذا دوما، لابد من وقوع بعض الاستثناء.وقد سجل التاريخ بعض الحالات التي عانت في صغرها كل أشكال العنف و الغصب والحرمان وانتصرت في نهاية المطاف...!؟ فخرجت منه مظفرة وأصبح يضرب بها المثل ويقتدى ويحتدى بها .شخصية سيف البطلة .كطفل لايحتاج إلى اثبات هوية في هاته المرحلة. بل هي شخصية تتمتع من الناحية التشريعية بأهلية الكفاءة وليس اهلية الاداء . شخصية تحتاج إلى حب وحنان الى اشباع عاطفي ووجداني يضمن النمو الوازن والمتزن ... شخصية سيف تحتاج إلى عناية ورعاية. شخصية تحتاج الى الحق المشروع في اللعب. والى الحق المشروع في التمدرس والحق المشروع في العب واللهو والمرح. والحق المشروع في التغذية الصحية والسليمة. شخصية سيف في حاجة الى تدخل طبي من مختلف التخصصات. من اجل تحقيق الادماج الاجتماعي والنفسي وغير ذلك. أما شخصية عالية. وضعت الاديبة عدستها عليها فنقلت لنا بدقة تفاصيل سنها وجسدها وجهها وملامحها والاقنعة التي كانت تضعها من تأنق أوسابق اختيار اعتنقت واتخذت الطريق الايسر لتحقيق الاندماج داخل المجتمع وضمان لقمة العيش.بالتعاطي للدعارة بشكل علني وصريح. وهذا ما يرفضه المجتمع ويجرمه القانون ويحرمه الدين. حاولت الاديبة طرح هذا الطابو المسكوت عنه في بعض المجتمعات العربية الاسلامية.في حين أنط ظاهرة الدعارة والمتاجرة بالاجساد.اصبحت تتخذ اشكالا وابعاد اخرى من حيث الطرح والتفسيرات فهي لم تعد تلك الظاهرة الاجتماعية الاخلاقية فحسب، بل تعدتها الى مستوى طرح قضية الدعارة كقطاع تجاري مذر للأموال الطائلة ويساهم بقسط كبير فى التنمية الاقتصادية للعديد من الدول. وتتحكم في إدارته وتدبيره شبكات سرية منظمة وقوية تتمتع بمؤهلات وخبرات مالية وامنية متطورة للدفاع إستراتيجياتها وأهدافها اللا اخلاقية واللانسانية...وبين الفينة والاخرى يقفز طرح الظاهرة على شاشاة بعض الفضائيات. بشكل مبثور ومحتشم. لقد اصبحت ظاهرة الدعارة تتخذ ابعادا دولية وقارية.شأنها شأن الهجرة السرية وتجارة المخذرات والبيع والمتاجرة في أعضاء البشر. وبهذا يستمر ويتمدد زمن ومكان القصة القصيرة للاديبة فوزية فلالي.مما يكسب طرحها قسطا اوفر من الجدية والاهمية والجودة. كما ان التدخل الامني الوارد في القصة القصيرة كحل لمعالجة الظاهرة المشينة يمكن اعتباره مقاربة احادية الجانب كمن يزيد الطين بلة.وكمن يمنح المسكنات والمهدئات لمريض بمرض مزمن. ارى ان الحل هو وضع مقاربة شمولية تشاركية ومندمجة لجميع الجهات المسؤولة عن المجتمع الإقليمي والجهوي والدولي.لاجتراح حلول الادماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.وبالتالي تحقيق تنمية انسانية متزنة. تكسب القصة القصيرة للاستاذة فوزية احمد الفيلالي جماليتها من التوظيف الجيد للغة العربية.كأداة وقالب لتضمين الافكار .وكأداة ناجعة لتحقيق التواصل مع المتلقي. توظيف القاصة للعديد من الاساليب الفنية كالاستعارات والكنايات والتشابيه.للتعبير عن العديد من المعاني والقضايا.وقد افلح هذا النص في ايصال رسائله بمختلف مضامينه الانسانية والاخلاقية النبيلة.دون تعمية او غموض..يستحق النص القصصي أكثر من هاته المقاربة الوجيزة السريعة. مازلت العديد من المواطن الجمالية تحتاج إلى استكشاف. !؟
محمد لطفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق