----دبّوس الغول----
ركب الجميع و أمسك عسبورة بمقود السّيارة. شغّل المحرّك و بقيت عيناه معلّقتين بالمرآة العاكسة، يكحّلهما بقوام غانية تنتظر التّاكسي. تمنّى لو كان وحده. و ابنه عسبار في المقعد الخلفي يستمع إلى أغنية تمجّد رميم الأجداد و يتفرّج على صور تحكي غابر الأمجاد.
صاحت جهيزة : انظر الى الطّريق أيّها الأعمى الفاقد للإحساس. كلّ الخير عندك ،و هزّت صدرها بيديها، هذا مستقبلك قدّامك، و أنت لازلت تطمع في وصال جارية نسجت صورتها الأوهام بين صفحات خيالك الصّفراء.
تمتم:
- لن أصل الى العسل مادامت الدّبّة تحرس الجذع.
- سمعتك يا سليل الضّباع.
داس عسبورة على المسرّع دون أن ينتبه إلى الخلف و ارتمى في قلب الطّريق الذي أمامه فقذفتهم شاحنة إلى برج الحور البيضاء.
تعافت الزّوجة و ابنها و قاما من السّرير، رضوض و بعض الخدوش. أمّا عسبورة فقد وجد حوريّة تناوله روح العنب الأحمر في أكواب فضّيّة و هو مستلق على أريكة من ريش الطّواويس تطوف عليهما عرائس اللّذّة ترفل في ساتان شفّاف ينضو عن سواري قرمزيّة.
ظلّ عسبورة يغازل العرائس ، العروس منهنّ في طول ناطحة سحاب يتسلّق إلى عينيها بمصعد من نور قوس قزح، فيسبح فيهما و يغوص الى الأعماق، ثمّ يطفو على شعرها، فيتأرجح على الجدائل ، و يتزحلق على الأمواج، و يتمرّغ على الكثبان وينزلق، على المرمر القرمزي الدّبق، بسائل أحلى من العسل . و يستفيق فيه الصّبيّ النّائم كلّما رأى لعبة جديدة لا يكفّ عن البكاء حتى يجرّبها . لقد وقع على كهف الشّبق ودخل قاعة المرايا حيث مئات العرائس يغوينه فيكبر و يتمدّد و يسيح فيمتزج لعابه برضابهنّ و يذوّبهنّ في أشواقه . يمزجهنّ بألوان العشق ، فتدور راقصات متموّجات حوله ، منها تفاحات الحبّ تنبثق. يقضمهنّ في قضمة واحدة، متمايزة النّكهات، أحلى من كعك الورق.
كلّ هذا و مازال لم يذق ،بعد، أحلى ما في الطّبق. لم تطق، فتصفعه الحوريّة صفعة ترميه إلى عالم جهيزة عبر النّفق. التي ألفاها حذو سريره في سبات شتويّ تنتظر عودته منذ أسبوع في أرق . تأمّلها و استمع إلى شخيرها لقد اشتاق إليه و إلى دبّوس الغول، يتناوبان المصّ، مصّة بمصّة، على الكورنيش، عند الأصيل و الشّمس في حياء كأنها تفّاحة حبّ. لمّا يحنّان الى ذكريات الخطوبة الحلوة و يكتنفهما القلق. وضع الوسادة على أذنيه و حاول العودة إلى عالم التّفّاحات القرمزيّة.
جمال الطرودي/ تونس/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق