الخميس، 18 يوليو 2019

السيكارة/كلمات الشاعر /محمد العبيدي

السيكارة الاخيرة



كان شتاءاً ممطرًا والبرودة قارصة وشعاع مصابيح السيارات يقطع زخات المطر المنتحرة على أرصفة الشوارع...

كانت حبيبتي تنتظرني في المقهى المجاور لمحطة القطار ...شاهدتها من خلال زجاجات نوافذ المقهى التي يلفها الضباب وهي جالسة على طاولة في أحد زوايا المكان...

كانت عاتبة علي كثيراً لأني أطلت في سفري ولم أرسل لها اية رسالة اعلمها بها عن احوالي وكان ذلك لسبب تركته مفاجأة لها ...

دخلت المقهى وكانت الطاولات موزعة بشكل هندسي جميل وقد تجمع حولها مجاميع من الناس لأسباب شتى ومنها السبب الذي جمعني بحبيبتي الغاضبة....

وصلت إليها وكانت قد أخرجت المرآة لتتأكد من أن جمالها لايزال طاغياً على جمال المكان الذي تجلس فيه...

رفعت نظرها قليلاً... لتشاهدني واقفاً أمام أجمل عينين دار فيها العتب واتعب جفونها...

أشارت لي بيدها أن أجلس...لم تنزل المرآة من يدها...وكأنها أرادت الهروب لثواني لتستجمع نفسها وتفكر كيف ستبدأ حديثها.

جلست أنتظر كيف ستهجم علي وماهي الكلمات التي ستطلقها علي وكيف سأدافع عن نفسي...

أنقذ هواجسي حضور النادل طالباً أن يعرف ماذا نطلب... بادرت هي وطلبت فنجانين من القهوة... ذهب النادل..أخرجت من جيبي علبة السكائر لأجد أنه لم يبقى في العلبة غير لفافة واحدة... أخرجتها وأخرجت علبة الكبريت ولكنها أشارت لي بأن لا أدخن.

بدأت غيوم العتب تتجمع...بدأ هطول مطر التساؤلات ...

أغرقني التقصير ومنعني من الدفاع عن نفسي ...كنت مشغولاً اولا بأن اشبع روحي من النظر اليها فهي جميلة حتى وهي ثائرة...

كنت كلما رفعت لفافة السكائر الى فمي تأخذها وتضعها على الطاولة لتستمر في استجوابي وجلد مشاعري بسياط حريق مشاعرها.

لم تعطني اية فرصة لاعبر لها عن أسفي وعن الأسباب التي منعتني من التواصل معها وكنت في كل ذلك أفكر في الوقت المناسب لأظهر مفاجأتي ...عندما تعيني الحجة وتكتسح خيول هجومها دفاعات حججي.

انتهت من الكلام...بدأ نثر اللؤلؤ من عينيها...ملئت المكان بنسائم حبها التي انفلتت بعد أن كانت سجينةً خلف قضبان العتب....

جائت القهوة وكانت ساخنة... تتصاعد منها أبخرة بيضاء... شكلت بيني وبينها كرة بلورية ظهرت على محيطها صورنا وذكرياتنا...كانت هذه الصور والذكريات تتغير كلما دارت هذه الكرة ...

مددت يدي خلسةً إلى لفافتي لأرفعها وأيضا امتدت يدها وسحبت اللفافة مني طالبة أن نستمتع بهذه الكرة البلورية الساحرة التي شكلها القدر.

تلاشت الكرة شيئا... فشيئا ...لم يبقى إلا أنا وهي وخيالات الذكرى...فأنطلقت أنا بالحديث ...

أفتح لها من قلبي بوابات الحب الذي عاشت معي فيها...قلت لها إني حينما سافرت... تركت عندكِ روحي... ترفف حولكِ وتنظم كلمات الحب قلادة تحيط بعنقكِ الجميل ...مضمدة جراح الأبتعاد ببلسم الوعد بالعودة إلى أحضانك الدافئة ...لقد كنت معي في كل لحظة في غربتي في مدن المجهول... تشدين من عزيمتي وتزرعين الامل تلو الامل ليوم قادم يخترق الحاضر نحو مستقبل يبشر بلقاء قريب.

واسترسلت بحديثي....يفيض حبي لها موجات من المشاعر الرائعة... راحت تتلاقفها من موجة إلى موجة ...

وجاءت اللحظة الحاسمة...!!!!! ...

.لحظة المفاجأة...!! دسست يدي في جيبي ...

أخرجت صندوقاً من القطيفة الزرقاء فيها حلقتين من الذهب كتبتُ عليها إسمينا..!!..واخرجت ورقة عبارة عن صكٍ بمبلغ كبير...

إعترفتْ لها هذه المفاجأة عني بحقيقة غيابي....وهي أني غبت حتى أكون حاضراً معها إلى نهاية العمر...

عندها فقط أخذتُ لفافتي وأشعلتها وهي غائبة عن تصرفي...سابحة بما يحمله المستقبل من جمال قادم....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق