الجمعة، 1 فبراير 2019

صراع مع قارورة الغاز /كلمات الشاعر /مقدير ابراهيم

صراع مع قارورة الغاز 
"""""""""""""""""""""""""""
قضبان جليد تدلت من تحت السقوف ..أحد من الحسام في نتوءاتها ،وألمع من أساور الفضة في بريقها ،وأشد من الصخور في صلابتها ...تماسكت وتراصت في شتاء قارس ذي  جو عبوس مكفهر ....
سرعان ما نزل الصقيع على القرية جاثما على صدور أهاليها ،مجبرا إياهم على اللجوء إلى المواقد وكل يفكر في هم الجذوة وغم الدفء ...
بادرت ربة البيت إلى تحضير وجبة ساخنة ترم عظام الأبناء ،بينما كانوا قد التفوا في أغطية مطوية مثنى وثلاث...فالقارورة توشك على النفاذ وثمة هاجس يقض مضجع الوالدين تمثل في ندرة التموين وكذا صعوبة التوصيل في مثل هذه الأحوال الجوية العصيبة ..  
أما سيد الدار فقد عمد إلى لبس كل مبطن ثقيل وحذاء متين ولف جوربه بقطعة قماش ثم تلثم بشال انسدل حتى الرقبة ....
تناول عشاءه في عجالة وتفقد القارورة الفارغة فوجدها قد توشحت بطبقة جليد زادت من برودتها أضعافا ...
حملها موصيا عقيلته : أغلقي القارورة والزمي مخدعك 
ما إن بارح البيت حتى لفحته رياح شديدة كأنها شفرات حلاقة مصحوبة بحبات ثلج باردة كادت تجمد قبضتيه...
بيد أن حاجة الأسرة للنار ( طهوا وتدفئة) جعله يقاوم تلك الظروف القاسية وذاك القر الفتاك ...في الطريق كان يمشي حذرا فالصقيع جمد بساط الثلج المتساقط آنفا ، وكان يمني النفس ألا يعود خائبا هذه المرة...
 بعد الحساء الذي اذهب  رعشة المساء .. نامت الأم بين صغارها ترقب رجوع بعلها بين الحين والحين .. 
اقترب الرجل من المحطة العمومية الوحيدة في المدينة فلاحظ جموعا غفيرة تشكل طوابير كثيرة فخالجه الفشل واليأس...وفكر في الرجوع لكن الأمر كان لزاما عليه...
اختار أصغر الصفوف عددا وأنزل القارورة التي أضنته وكلت عاتقه ....ثم تساءل عن مستودعات الخواص فعلم أن تزويدها غير مضمون ....
مرت الساعات الأولى من الليل كلمح البصر يسودها المرح والحركة وتبادل الأخبار والحكايات رغم برودة الجو .. ثم بدأت الحركة تقل ...عدا مجموعات قد أشعلت نارا تأججت بقطرات من البنزين ثم التف حولها اناس من جميع الفئات كذاك الطفل ابن عشر وذلك الشيخ الهرم وتلك العجوز المسنة التي عدمت معيلا ومعينا ...
تقوقع صاحبنا في برنسه وأسدله على ركبتيه حتى بلغ أسفل ساقيه ...وراح يغني بصوت خافت على مسمع من صديقين قديمين وحين رفع رأسه رأى شرطيين في غدو ورواح ..  
وبين الفينة والأخرى يشتبك رجلان او أكثر على مكان محجوز فيهرع الشرطيان لفض الشجار قبل تفاقم الأمر ... 
بدا على الجميع تعب كبير وبرد شديد لم تجد معه تلك النيران الموقدة شيئا فقد زاد الصقيع من تجمد المكان الذي كان في أصله في العراء ...كانت العيون تشرئب إلى كل شاحنة كبيرة ربما تكون هي القاصدة والمقصودة في آن واحد ...
في تلك الظروف القاهرة غط بعض الناس في النوم وقد أوصى على مكانه ..فمنهم من قنط وانصرف غاضبا ناقما شاتما .. ومنهم من سقط مغشيا عليه حمل لحينه إلى العيادة
ومنهم من كبل واقتيد إلى المخفر ظالما متغطرسا .. 
والجمع على حالتهم تلك وقد جاوز الليل آخر أجزائه صاح أحدهم  : جاءت الشاحنة 
دبت الفوضى إثرها وعمت وكادت الأمور أن تحيد عن مجراها لولا تدخل رجال الشرطة الذين حضروا مع الشاحنة ليفرضوا منطق الترتيب ويستتبوا النظام عنوة ...  ثمة ايقن الكهل أنه كاد يعود خالي الوفاض لولا هذا التدخل.. 
اقترب موعد المدرسة فعمدت الأم إلى تحضير وجبة الفطور لأبنائها .. لكنها فوجئت بنفاذ القارورة وانتابها ذهول وحيرة لولا أن دخل بعلها متنهدا مترنحا يتداعى للسقوط من شدة البرد ... فأكملت ما كانت بصدده وكانت فرحة الأسرة بتلك القارورة كفرحة العائلة بأول مولود .  
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
مقدير إبراهيم..تبسة [الجزائر]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق