الأربعاء، 27 نوفمبر 2019

رسالة من المنفى/بقلم الشاعر المبدع /فتحي صالح

خاطرة (رسالة من المنفى ) 
أي بني جعلت لك بطني وعاء ولبني غذاء وقلبي هدى وحضني غطاء ...وسهرت ليلي أرعاك وأنت مريض وأموت ألف مرة خوفا حين تتأخر في الرجوع الى البيت أفرح لفرحك وأبكي لبكائك وأحزن لحزنك رعيتك وأعطيتك من صحتي أشبعتك من جوعي  وألبستك من عريي ...أسرع من سنوات عمري لأراك كبيرا وأتلهف لأراك عريسا وأربي أبنائك بما أملك من حب ....وكبرت وترعرعت وصرت رجلا وتزوجت وأنجبت ابنا كالملاك فكانت سعادتي لاتوصف وسكن الحب الصغير قلبي ...ولكن زوجتك كانت تمنعه عني ...كنت سعيدة بقربك لاتفارقني الاللنوم واليوم صرت حملا ثقيلا عليك وقد حملتك تسعا كرها على كره ولم أشتك ولم أندم وكنت أنتظر يوم ولادتك بفارغ الصبر ولما كبرت سني ونحل جسدي وضعف بصري وأنهكني المرض ...وضعتني في دار للمسنين ارضاء لزوجتك ...فاه يا بني لو تعلم كم هي مرة الحياة من دونك وكم هي قاسية في بعدك ....نسيتني ولم تزرني ولم تسأل عني وكأني ناقة جرباء ....أنا في هذه الدار أحيا غريبة فلا حنان ولا معاملة طيبة وكأننا في معتقل ....نعيش الذل بعينه واذا مااعترضنا على سوء المعاملة جاءت الكلمة السامة والحقيقة الموجعة ....مالقيتوش الخير في أولادكم باش تلقوه فينا ....كلمات كالسهام تحول بقايا حياتنا الى ركام ....
بني هذه اخر رسالة سأكتبها اليك بعد أن تجاهلت كل الرسائل ...ولكن لا تنسى أن لك ابن ومن يزرع الألم يحصد الندم ....والسلام ...
أكملت العجوز الرسالة وطوتها ووضعتها في ظرف ووقفت أمام النافذة وجالت ببصرها في عالمها المحاصر والدموع تنهمر على وجنتيها كالحميم ثم تهالكت على السرير وهي تحتضن وسادتها مدندنة ...نم يا حبيبي نم يا فرحة عمري وبسمة الأمل يا روحي ونور العين ...ثم سكتت مع سكون الليل الداهم ولما شق نور الفجر درب النهار هتف هاتف أمي هناء انهضي انه وقت الفطور ....ولكن الفطور تأخر سبقه الموت ورحلت وفي القلب غصة وحب أوله تضحية واخره اهمال فموت أمي هناء لن يهز مشاعر أهل الدار فهي كغيرها ضيف ينتظر الوفاة ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق