بسم الله الرحمن الرحيم
{{نبي الرحمة...ووفد نصارى نجران...}}
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات /الأردن
نستقي الشفقة والرحمة والآداب والأخلاق والنظام وحسن المعاملة كلها وأمثالها من نبي الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام...وهذه أجمل وأفضل العلاقات التي بناها الدين بين المسلمين وغيرهم من العالمين.
قال الله تعالى عن رسوله الكريم {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ...}صدق الله العظيم وبلغ رسالته صلى الله عليه وسلم فقد سبقه الكثير من الرسل والرسالات وكلها من معين واحد مصدرها وغايتها التوحيد، ،
وقد استغرب المشركون ذلك ...قال الله تعالى يصف حالهم{ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}}
وفي عام الوفود وما تبعها توافدت على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم من كل حدب وصوب القبائل العربية بعد أن تم تَوْطيد دعائم دولة الإسلام، وتم بعث الرسل بالرسائل لكافة الأقطار دعوة للدين الجديد الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين.
ومن هذه الوفود وفد قدم من نصارى نجران ما يقارب الستين رجلا بكل ثقة واطمئنان، وما يهمنا في هذا الجانب الوصف الذي جاء في السيرة عنهم دون البحث فيما تطرق له الفقهاء والعلماء فالأمر يطول وكل له غايته ومقصده في الاستدلال .....
فقد ورد{{عن اِبْن إِسْحَاق قال : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر قَالَ : قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِده حِين صَلَّى الْعَصْر عَلَيْهِمْ ثِيَاب الْحِبَرَات جُبَب وَأَرْدِيَة مِنْ جَمَال رِجَال بَنِي الْحَارِث بْن كَعْب
قَالَ : يَقُول مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَيْنَا بَعْدهمْ وَفْدًا مِثْلهمْ وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتهمْ فَقَامُوا فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعُوهُمْ" }}أتركوهم وشأنهم لا أستطيع أن أضيف كلاما على موقف الرسول من ضيوفه وهم على خلاف دينه أدبا لا يضارعه أدب.....
هذا الأمر لا يستطيع أن ينكره إنسان على الرغم مما تبعه من توضيحات وبيان، وصف للوفد ودخولهم مسجد رسول الإسلام مع صلاة العصر، واستقبالهم في أطهر مكان منبع التبليغ والدعوة لدين رب العالمين، وبعد أداء الصلاة وكان فيهم أكابر قومهم يلبسون أحسن ثياب الحبرات وجبب وأردية منظر جميل ووصف مثير مع جمال الهيبة وبالذات رجال بني الحارث بن كعب وهم معروفين لدى بعض الصحابة الأكرمين رضوان الله عليهم...إذن وفد له ميزة خاصة وحركة وترتيب بحيث شد انتباه الحاضرين............
طبعا ما كان لهم أن يدخل على الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده إلا بعد موافقته وإذنه فالمسجد له شأن كبير وموضع تقدير عند المسلمين...، وكان إذا قدِم عليه وفدٌ صلى الله عليه وسلم لبس أحسن ثيابه، وأمر بذلك أصحابه ، وذكر أنه وفَدَ عليه وفد كِنْدَة وكان عليه حُلَّةٌ يمانيَّة، وعلى أبي بكرٍ وعمر مثل ذلك إذن على المسلم أن يظهر بالمظهر والهيبة الحسنة وليس بحالة رثة ومسكنة فالمنظر والهيبة والطهارة والنظافة تروق في العين ولها وقع في النفس...وهو نوع من الاحترام للقادم والاهتمام به...
وهكذا كان الوفد سمته التؤدة والسمت الحسن....
وقد جاء هذا الوفد لمقصد كغيرها من الوفود فهم أهل ديانة سبقت الإسلام إلا أن طريقة استقبال وفد نجران والاحتفاء بهم في مسجده دليل على أن الرسول صاحب رسالة وتبليغ ومحاورة ومقابلة وقناعة والمسجد مكان عبادة وطاعة ومنه انطلقت كافة البعثات بأنواعها للعالم أجمع...
والمقصد الآخر الذي قد يكون لأول مرة بالنسبة لنا وقد يستغرب منه البعيد والقريب المسلم وغير المسلم قال الصحابة رضي الله عنهم:-
{ مَا رَأَيْنَا بَعْدهمْ وَفْدًا مِثْلهمْ وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتهمْ فَقَامُوا فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} هذا الموقف الغريب على البعض وهو قيام وفد نصارى نجران لإداء صلاتهم في مسجد الرسول، وقد استغرب من حضر من صحابته أن يصلي القوم في مسجده وبحضوره صلى الله عليه وسلم ومع هذا يقول لإصحابه {دَعُوهُمْ} أي أتركوهم يؤدون صلاتهم...
{ فَصَلَّوْا إلَى الْمَشْرِق} تصور لو كان هذا الموقف في زماننا، كم نحن بعيدون كل البعد عن بيان خلق وأدب رسول الإسلام وكيف بلغ هؤلاء وعامل هذا الوفد دون زجر أواستنكار....
طريقة مبتكره وإبداع منه صلى الله عليه وسلم وأسلوب تربوي ناجح في تبليغ رسالته من خلال تلك المعاملة والترتيب، وما دار طبعا من حديث فيما بين الطرفين طال أم قصر فهم رسل وممثلين عن قومهم- والرسول من خيرة القوم فهما وإدراكا وعلما مِنْهُمْ أَبُو حَارِثَة بْن عَلْقَمَة وَالْعَاقِب عَبْد الْمَسِيح وَالسَّيِّد الْأَيْهَم-
وعرض رسالة الإسلام وتبليغها لهم لا يعني الإكراه عليها، وبالمقابل يبقى تبادل الحديث وحسن العلاقات والاحترام بين الطرفين هو الواجب...وقد كان صلى الله عليه وسلم حريص على هداية البشر كافة ولكن بأدب جم وخلق حسن
قال الله تعالى:-
{{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}}
المقصد الأخير هذه تعاليم ديننا وسماحته التي غفل عنها الكثير منا ومنهم والتي طبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمليا وأمام الصحابة الكرام ونقلت لنا هذه الأخبار حتى بلغت حد التواتر لا يستطيع أن ينكرها إلا مكابر أو معاند أو لا يحب طريقة سهولة تبليغ الإسلام، وهي الطريقة المثالية التي يجب أن يؤسس لها العلاقات بين بني البشر وطرح الإسلام بأسلوب راقي وبالحكمة والموعظة الحسنة والتطبيق العملي والامتثال الحقيقي لا الصوري بالقول والنفاق والرياء والسمعة ...والله ولي المتقين,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق