الاثنين، 30 ديسمبر 2019

الشجرة المباركة/بقلم الأديب المبدع /حسن قصوحا

------ الشجرة المباركة -----

بلغت بي الشقاوة أن انتهكت حرمة بيت الله ، كنت حينها في السابعة من عمري أو تزيد بقليل،  فقد درجت على سرقة الأحذية من باب مسجد البلدة، كنت أشد الفردة مع الأخرى وأرمي بالحذاء في الهواء فيعلق بأغصان شجرة التين العملاقة التي تنتصب على بعد أمتار قليلة من المسجد، لم أكن أجد في الأمر  غضاضة أو شعورا بأي دنب، بل كنت أجد فيه لذة ما بعدها لذة ، حين كان يأتي الربيع، كانت تعشش في تلك الأحذية العالقة أزواج طائر السنونو و صنوف أخرى من الطيور، أدمنت هذا الفعل إلى حين انتقال والدي للعمل ببلدة أخرى، فانتقلت الأسرة بكاملها معه.. مضت الأيام كما تعودت أن تمضي.. أصبحت شابا يافعا، فعدت ذات يوم إلى قريتي التي تفجرت فيها شقاوتي،  ولم يكن شيء هفت نفسي لرؤيته أكثر من تلك الشجرة،  وجدت الطريق المفضي إليها مكتضا بالمشاة والحركة، اعتقدت يقينا أن الجموع تتجه صوب المسجد المحادي لها لقضاء فريضة الصلاة،  فقلت في ذات نفسي " الحمد لله ، لقد عرف أهل البلدة اخيرا الطريق إلى الله، فصاروا أشد الناس التزاما بالصلاة. ." وكم كانت دهشتي عظيمة حين رأيت كل هذه الجموع تتحلق بشكل منتظم حول شجرة التين، وقد زاد اندهاشي حين قلبت نظري في المكان فوجدت من بين الجموع لفيفا من أهل الحظوة والجاه والقائمين على شؤون السياسة بالبلد،  كان كل واحد منهم يرمي بزوج من الأحذية متمنيا قضاء حاجة كانت مبتغاه فاستعصت عليه أو أبت أن تأتيه صاغرة،  ظللت مشدوها ومسمرا في مكاني مدة ليست بقصيرة، ولما نفد صبري واشتدت مراجلي قمت إلى شجرة التين كمن يقوم إلى مبارزة عدو مشاكس،  هززت جدعها في شدة حتى تساقطت الأحذية تباعا وأنا أصرخ " لا بارك الله في أيام تتكثف فيها الغيوم السوداء ".
كانت هذه الكلمات هي كل ما تذكرته حين استفقت من غيبوبتي ووجدتني محاطا بطاقم طبي منهمك في ترميم ما تبقى من عظامي التي تهصرت،  والحق كل الحق فإن أجهزة الأمن قامت بواجبها على أحسن وجه، فقد داهمتني فرقة خاصة في المستشفى، وبعد التحقيق معي في الأمر، أحالتني على القضاء المستعجل بتهمة إهانة وازدراء مقدسات الغير../

بقلم/حسن قصوحا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق